Tag Archives: د/ محمد عمارة

شهادات العلماء المنصفين ـ د. محمد عمارة

د. محمد عمارة (المصريون) : بتاريخ 23 – 1 – 2009

وانطلاقًا من هذه النظرة النقدية للنصوص المؤسِّسة لـ”ثقافة ازدراء الأنبياء والمرسلين” .. وجدنا عشرات من العلماء والمفكرين الذين نظروا ـ بموضوعية ـ إلى حقائق الإسلام .. وسيرة رسوله عليه الصلاة والسلام .. والقرآن الكريم والفتوحات الإسلامية .. وإنجازات الأمة والحضارة التي أقامها هذا الدين .. فشهدوا الشهادات اللائقة والمناسبة للإسلام ورسوله ، حتى وهم على ديانتهم المخالفة للإسلام

..
لقد نظروا إلى القرآن ، الذي جاء معلنًا تصديقه لما بين يديه من الكتب التي أوحى بها الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلى الأنبياء والمرسلين ، على امتداد تاريخ النبوات والرسالات ..
ونظروا إلى رسول الإسلام ، الذي بدأت به وبرسالته السماحةُ مع الآخر ، حتى لقد جعل هذا “الآخرَ” جزءًا من “الذات” ، ذات الدين الإلهي الواحد ، الذي تتعدد في إطاره الشرائع والرسالات . الرسولِ الذي بنى دولة إسلامية المرجعية ، تعددت فيها ، ديانات الأمية والرعية .. فنص دستورها ـ الذي وضعه الرسول سنة 1 هـ ، 622 م ـ على أن :
لليهود دينَهم وللمسلمين دينَهم .. ومن تبعنا من يهود فإن لهم النصرَ والأسوةَ ، غيرَ مظلومين ، ولا نتناصر عليهم .. وأن بطانة يهود ومواليهم كأنفسِهم .. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، على اليهود نفقتُهم ، وعلى المسلمين نفقتُهم ، وأن بينهم النصرَ على من حارب أهل هذه الصحيفة ـ [الدستور] .. وأن بينهم النصحَ والنصيحةَ والبرَّ المحضّ من أهل هذه الصحيفة ، دون الإثم ، لا يكسب كاسبٌ إلا على نفسه”. (31)
والذي أعطى النصارى .. كلَّ النصارى .. عبر الزمان والمكان ـ عهدَ الله وميثاقَه سنة 10 هـ ، 631 م . على
أن لهم جوارَ الله وذمةَ محمد النبي رسول الله ، على أموالهم ، وأنفسهم ، وملتهم ، وغائبهم ، وشاهدهم ، وعشيرتهم ، وبِيَعِهم ، وكلِّ ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ، لا يُغير أسقف من أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ..
وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا .. بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهلَ الإسلام من ملتي .. ولا يحمَّلون من النكاح ـ [الزواج] ـ شططًا لا يريدونه ، ولا يُكره أهل البنت على تزويج المسلمين ، ولا يضارُّوا في ذلك إن مَنعوا خاطبًا وأبَوْا تزويجًا ، لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم ، ومسامحة أهوائهم ، إن أحبوه ورضُوا به .
وإذا صارت النصرانية عند المسلم ـ [زوجة] ـ فعليه أن يرضى بنصرانيتها ، ويتّبعَ هواها في الاقتداء برؤسائها ، والأخذِ بمعالم دينها ، ولا يمنعَها ذلك ، فمن خالف ذلك ، وأكرهها على شيء من أمر دينها فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله ، وهو عند الله من الكاذبين .
ولهم ـ [أي النصارى] ـ إن احتاجوا في مَرَمّة بِيعهم وصوامعهم ، أو شيءٍ من مصالح أمورهم ودينهم ، إلى رفدٍ من المسلمين ، وتقويةٍ لهم على مَرمَّتها ، أن يُرفدوا على ذلك ويعاونوا ، ولا يكون ذلك دينًا عليهم ، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ، ووفاءً بعهد رسول الله ، وهبة لهم ، وسنة لله ورسوله عليهم.
..
لأني أعطيتهم عهد الله أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، وعلى المسلمين ما عليهم ـ حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم ..
واشترط ـ [الرسول] ـ عليهم أمورًا يجب عليهم في دينهم التمسك بها ، والوفاء بما عاهدهم عليه ، منها :
ألا يكون أحد منهم عينًا ولا رقيبًا لأحد من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته ، ولا ينزلوا أوطانهم ، ولا ضياعهم ولا في شيء من مساكن عباداتهم ولا يغرهم من أهل الملة ..
ولا يرفدوا ـ [يساعدوا] أحدًا من أهل الحرب على المسلمين ، بتقوية لهم بسلاح ، ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم ، ولا يصانعوهم ..
وإن احتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم ، وعند منازلهم ، ومواطن عباداتهم ، أن يؤدهم ويواسوهم فيما يعيشون به ما كانوا مجتمعين ، وأن يكتموا عليهم ، ولا يُظهروا العدو على عوراتهم ، ولا يخلوا شيئًا من الواجب عليهم ..” (32)
***
كما نظر هؤلاء العلماء والمفكرون ـ من غير المسلمين ـ إلى الفتوحات الإسلامية ، فرأَوْها قد حددت الشرق ، وعقائد شعوبه من القهر والاضطهاد الروماني ، الذي دام عشرة قرون من الإسكندر الأكبر [356 ـ 324 ق . م] ـ في القرن الرابع قبل الميلاد ـ إلى هرق [610 ـ 641 م] ـ في القرن السابع للميلاد ـ .. ثم تركت ـ هذه الفتوحات ـ الناسَ وما يَدينون .. فعاشت في الدولة الإسلامية كلُّ الديانات ـ السماوية والوضعية ـ دونما إكراه ..
لقد قرؤوا “الشهادات ـ الوثائق” التي أنصفت الفتوحات الإسلامية ، والتي شهد بها شهود مسيحيون .. ومنها :
1
ـ شهادة الأسقف الأرثوذكسي يوحنا النقيوسي : وهو على دينه .. بل ومع نقده الشديد للمصرين الذين سارعوا إلى الإسلام ، فور بدء الفتح ، وحتى قبل سقوط الإسكندرية بيد المسلمين ..
لقد شهد هذا الأسقف الأرثوذكسي ـ وهو شاهد العيان على الفتح الإسلامي لمصر ـ بأن هذا الفتح هو الذي “أنقذ” النصرانية الشرقية وأهلَها وكنائسَها وأديِرَتَها من الإبادة الرومانية .. وحقق لها ولأهلها عهد الأمان والسلام .. فقال :
إن الله الذي يصون الحق ، لم يهمل العالم ، وحكم على الظالمين ، ولم يرحمهم لتجرئهم عليه ، وردهم إلى أيدي الإسماعيليين (العرب المسلمين) ـ ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة مصر ..
وكان هرقل حزينًا .. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر ، وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم .. مرض هرقل ومات ..
وكان عمرو بن العاص [50 ق . ه ـ 43 هـ ، 574 ـ 664 م] يقوى كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددها ، ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئًا ما ، سلبًا أو نهبًا ، وحافظ عليها [الكنائس] ـ طوال الأيام ..
ودخل الأبنا “بنيامين” [39 هـ ـ 659 م] بطرك المصريين مدينة الإسكندرية ، بعد هربه من الروم العام 13 ـ [أي العام الثالث عشر من تاريخ هروبه ـ بعد أن أقضه الفتح الإسلامي] ـ وسار إلى كنائسه ، وزارها كلَّها .. وكان كل الناس يقولون هذا النفي ، وانتصار الإسلام ، كان بسبب ظلم هرقل الملك ، وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين .. وهلك الروم لهذا السبب ، وساد المسلمون مصر.. ”
ولقد خطب الأنباء بنيامين في “دير مقاريوس” فقال :
لقد وجدت في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة ، اللتين كنت أنشدهما ، بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون..” (33)
هكذا شهد الأسقف الأرثوذكسي يوحنا النقيوس ـ شاهد العيان على الفتح الإسلامي لمصر ـ بأن هذا الفتح قد مثَّل “الإنقاذ” للنصرانية وأهلها .. كما شهد الأبنا بنيامين ـ الذي أمّنه الفتح الإسلامي وأعاده إلى رعيته ، وحرر له كنائسه المغتصبة .. ورد للأرثوذكسية شرعيتَها ، بعد أن كانت محظورة ـ كهرطقة ـ شهد بأن، هذا الفتح الإسلامي قد حقق “النجاة والطمأنينة” لمصر وأهلها .. ولعقائد المصريين ..
2
ـ وبعد خمسة قرون من الفتح الإسلامي ، وقيام الدولة الإسلامية .. شهد على ذات الحقيقة البطريق ميخائيل الأكبر [1126 ـ 1199 م] بطريق أنطاكية اليعقوبي ، فقال :
إن إله الانتقام ، الذي تفرد بالقوة والجبروت ، والذي يزيل دولة البشر كما يشاء ، فيؤتيها من يشاء ، لما رأى شرور الروم ، الذين لجئوا إلى القوة ونهبوا كنائسنا ، وسلبوا أديرتنا في كافة ممتلكاتهم ، وأنزلوا بنا العقاب في غير رحمة ولا شفقة ، أرسل إلينا أبناء إسماعيل من بلاد الجنوب ليخلصنا على أيديهم من قبضة الروم .. ولما أسلمت المدن للعرب ، خصص هؤلاء لكل طائفة الكنائسَ التي وُجدت في حوزتها .. ولم يكن كسبًا هينًا أن نتخلص من قسوة الروم وأذاهم وحنَقَهم وتحمسهم العنيف ضدنا ، وأن نجد أنفسنا في أمن وسلام”. (34)
هكذا ظل رجال الدين المسيحي ـ بعد قرون من الفتح الإسلامي .. والتعايش مع الإسلام والدولة الإسلامية ـ يعلنون أن الفتح الإسلامي قد مثل بالنسبة لعقائدهم وكنائسهم “الخلاص والإنقاذ .. والأمن والسلام” ..
3
ـ على ذات الحقيقة شهد المؤرخ القبطي يعقوب نخلة روفيلة [1847 ـ 1905 م] في القرن العشرين فكتب يقول :
ولما ثبت قدَمُ العرب في مصر ، شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهْلِين واستمالة قلوبهم إليه ، واكتساب ثقتهم به ، وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه ، وإجابة طلباتهم” .
وأول شيء فعله من هذا القبيل استدعاءُ “بنيامين” البطريرك ، الذي اختفى من أيام هرقل ملك الروم ، فكتب أمانًا وأرسله إلى جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور ، ولا خوف عليه ولا تثريب .
ولما حضر ، وذهب لمقابلته ليشكره على هذا الصنيع ، أكرمه ، وأظهر له الولاء ، وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته . وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل ، ورد “بنيامين” إلى مركزه الأصلي معزَّزًا مكرَّمًا ..
وكان بنيامين موصوفًا بالعقل والمعرفة والحكمة حتى سماه بعضهم بالحكيم ، وقيل : إن عمرو لما تحقق ذلك منه ، قربه إليه ، وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها .. وقد حسَبَ الأقباط هذا الالتفات منّةً عظيمةً وفضلاً جزيلاً لعمرو .
واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم على تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي ، فقسم البلاد إلى أقسام يرأس كلاً منها حاكمٌ قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم ، ورتب مجالسَ ابتدائيةً واستئذنا فيه مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة ، وعيّن نوابًا من القبط ، ومنحهم حقَّ التدخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضى الشرائع الدينية والأهلية ، وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني ، وهي ميزة كانوا قد جُرِّدوا منها في أيام الدولة الرومانية ..
وضرب عمرو بن العاصر الخراج على البلاد بطريقة عادلة .. وجعله على أقساط في آجال معينة ، حتى لا يتضايق أهل البلاد .
وبالجملة ، فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يرَوْها من أزمان..” (35)
*
وعندما حاول الرومان اختطاف مصر من التحرير الإسلامي ، واحتلوا الإسكندرية سنة 25 هـ ، 646 م ـ في عهد الخليفة عثمان بن عفان [47 ق هـ ـ 35 هـ 577 ـ 656 م] هب أقباط مصر للقتال مع الجيش الإسلامي ضد الرومان .. وطلبوا من الخليفة إعادة عمرِو بنِ العاص [50 ق هـ ـ 43 هـ ـ 574 ـ 664 م] لقيادتهم في صد الغزو الروماني ” وبشهادة يعقوب نخلة روفيله ـ صاحب [تاريخ الأمة القبطية] :
فإن المقوقس والقبط تمسكوا بعهدهم مع المسلمين ، ودافعوا عن المدينة ـ [الإسكندرية] ـ ما استطاعوا .. واجتمعت كلمة القبط والعرب على أن يطلبوا من الخليفة أن يأذن لعمرِو بنِ العاص في العودة إلى مصر لمقاتلة الروم ، لتدرُّبِهِ على الحرب ، وهيبتِه في عين العدو ، فأجاب الخليفة طلبهم ..
وكان القبط يحاربون مع العرب ويقاتلون الروم خوفًا من أن يتمكنوا من البلاد ويأخذوها فيقع الأقباط في يدهم مرة أخرى.. ” (36)
4
ـ وفي شهادة نصرانية معاصرة .. يقول المؤرخ الدكتور “جاك تارجر” [336 ـ 1371 هـ 1918 ـ 1952 م] :
إن الأقباط قد استقبلوا العرب كمحرّرين ، بعد أن ضمن لهم العرب ، عند دخولهم مصر ، الحريةَ الدينية ، وخففوا عنهم الضرائب .. ولقد ساعدت الشريعة الإسلامية الأقباط على دخولهم الإسلام وإدماجهم في المجموعة الإسلامية ، بفضل إعفائهم من الضرائب .. أما الذين ظلوا مخلصين للمسيحية فقد يسّر لهم العرب سبلَ كسبِ العيش .. إذ وكَلُوا لهم أمر الإشراف على دخل الدولة.. ” (37)
***
5
ـ وعن الهنّات والشوائب والتوترات الدينية ، التي شهدها التاريخ الإسلامي .. وعن أسباب هذه التوترات .. كتب المفكر والباحث النصراني المعاصر الدكتور جورج قرم .. فقال :
إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة ، وكان يحكمها ثلاثة عوامل :
العامل الأول : هو مزاج الخلفاء الشخصي ، فأخطر اضطهاديْن تعرض لهما الذميون وقعا في عهد المتوكل العباسي [206 ـ 247 هـ 821 ـ 861 م] الخليفة الميال بطبعه إلى التعصب والقسوة .. وفي عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله [375 ـ 411 هـ 985 ـ 1021م] الذي غالى في التصرف معهم بشدة ..
العامل الثاني : هو تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسواء المسلمين ، والظلم الذي يمارسه بعض الذميين المعتَلين لمناصب إدارية عالية ، فلا يَعسُر أن ندركَ صلتهما المباشرة بالاضطهادات التي وقعت في عدد من الأمصار ..
أما العامل الثالث :
فهو مرتبط بفترات التدخل الأجنبي في البلاد الإسلامية ، وقيام الحكام الأجانب بإغراء واستدراج الأقليات الدينية غير المسلمة إلى التعاون معهم ضد الأغلبية المسلمة .
إن الحكّام الأجانب ـ بمن فيهم الإنجليز ـ لم يُحْجِموا عن استخدام الأقلية القبطية في أغلب الأحيان ليَحْكُموا الشعب ويستنزفوه بالضرائب ـ وهذه ظاهرة نلاحظها في سوريا أيضًا ، حيث أظهرت أبحاث “جب” [1895 ـ 1971 م] و “وبولياك” كيف أن هيمنة أبناء الأقليات في المجال الاقتصادي أدت إلى إثارة قلاقل دينية خطيرة بين النصارى والمسلمين في دمشق سنة 1860 م ، وبين الموارنة والدروز في جبال لبنان سنة 1840 وسنة 1860 م .
ونهايات الحملات الصليبية قد أعقبها ، في أمكان عديدة ، أعمالُ ثأرٍ وانتقامٍ ضد الأقليات المسيحية ـ ولاسيما الأرمن ـ التي تعاونت مع الغازي .
بل إنه كثيرًا ما كان موقف أبناء الأقليات أنفسِهم من الحكم الإسلامي ، حتى عندما كان يعاملهم بأكبر قدر من التسامح ، سببًا في نشوب قلاقل طائفية ، فعلاوة على غلو الموظفين الدينيين في الابتزاز ، وفي مراعاتهم وتحيُّزِهم إلى حد الصفاقة أحيانًا لأبناء دينهم ، ما كان يندر أن تصدر منهم استفزازات طائفية بكل معنى الكلمة..” (38)
تلك شهادات نصرانية شرقية ـ قديمة .. ووسيطة .. وحديثة .. ومعاصرة ـ على عدل الإسلام .. وعلى تحرير الفتوحات الإسلامية للأوطان والعقائد والضمائر .. وعلى العدل الذي أقامته الحضارة الإسلامية مع غير المسلمين

http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=59168&Page=1&Part=10

النقد الداخلي لمصادر الازدراء ـ د. محمد عمارة

د. محمد عمارة (المصريون) : بتاريخ 21 – 1 – 2009

 

 

 

 

لكن .. إذا كانت أسفار العهد القديم قد كوّنت “ثقافة الازدراء والإساءة” إلى الأنبياء والمرسلين .. وإذا كانت هذه الثقافة قد شاعت لدى الذين “قدّسوا” هذه الأسفار ، بتعميمٍ وإطلاق .. فإن هناك نصارى ويهودًا قد أعملوا عقولهم في هذه الثقافة ، وفي منابعها ، فاتخذوا موقفًا نقديًّا من هذه الأسفار

..
ففي كتابٍ ضم عددًا كبيرًا من الدراسات الرصينة ، التي كتبها عدد من علماء اليهود وفلاسفتُهم ، الذين تخصصوا في “علم نقد النصوص” .. أعلنت هذه الدراسات أن هذا الكتاب ـ العهد القديم ـ قد تدخّلت في كتابته وصياغته وإخراجه “أيدٍ بشريةٌ” ـ على امتداد قرون ـ فلم يعد خالصًا لكلمات الله ـ بل إن أغلبه لا عَلاقة له بالوحي الذي نَزَل ـ التوراة ـ على موسى ـ عليه السلام .. فتوراة موسى قد نزَلت عليه بمصر ، وباللغة الهيروغليفية ، قبل غزو بني إسرائيل لأرض كنعان .. وقبل تبلور اللغة العبرية ـ التي هي في الأصل خليطٌ من لهجات أرض كنعان ـ بأكثرَ من قرن من الزمان ـ ولقد كُتبت أسفارُ العهد القديم ـ في معظمِها ـ إبَّانَ السَّبْيِ البابلِيّ [597 ـ 538 ق . م] بينما موسى عاش ومات ودفن بمصرَ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ..
لقد جمع العالِم اليهودي “زالمان شازار” هذه الدراسات العلمية التي كتبها نخبةٌ من العلماء والفلاسفة اليهود ، الذين برعوا في “علم نقد النصوص” .. وصدرت هذه الدراسات في سِفْرٍ كبير ، حمل عنوان [تاريخ نقد العهد القديم من أقدم العصور حتى العصر الحديث] .. في هذا الكتاب نقرأ ـ عن أسفار العهد القديم :
إن هذه الأسفار المقدّسة هي من طبقات مختلفة ، وعصور متباينة ، ومؤلفين مختلفين ، حيث تستوعب هذه الأسفار ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة من الزمن . . فلا ارتباط بينها ، سواء في أسلوب اللغة أم في طريقة التأليف ..
إن القسم الأكبر من توراتنا لم يُكتب في الصحراء .. وموسى لم يَكتب التوراة كلَّها .. وأقوال التوراة ليست إلا لفائف من أماكنَ وعصورٍ مختلفة لرجال وحكام وعشائر وأسباط مختلفة .. ففيها ثماني مجموعات تعود إلى عصور مختلفة ، وهي :
1
ـ لفائف قديمة تعود إلى عصر الصحراء (في سيناء) تم تحريرها من قِبَل أحد أبناء أفرايم .
2
ـ ولفائف من تعاليم الكهنة ، تمت إضافتُها إليها حتى عصر يوشع بن صادق .
3
ـ ولفائف أعداد الأسباط .
4
ـ ولفائف باعترافات الأنبياء .
5
ـ ومجموعات من روايات بيت داود .
6
ـ وأقوال الأنبياء ومجموعاتهم في بابل .
7
ـ وأقوال الكهنةِ والأنبياءِ العائدين من السَّبْيّ .
8
ـ وتكملات مختارة من عصر الحشمونيين ـ [أي القرن الثامن قبل الميلاد] .
إن سفر التكوين قد أُلّف بعد مئات السنين من استيطان اليهود في فلسطين ، وبعد أن تحصّن الأسباط في إرث استيطانهم بزمن طويل ، وإن مؤلف السِّفْر لم يكن موجودًا على كل حال قبل عصر إشعيا ـ [أي حوالي 734 ـ 680 ق . م] .
أما بالنسبة لسِفْرَيْ الخروج والعدد ، فإنهما معالجة لأساطير وأشعار قديمة ..
وإن الإصحاحات الثمانية والثمانين الموجودة في التوراة بين أنشودة موسى ـ الموجودة في سفر الخروج ـ وحتى الإصحاح الأخير من سفر العدد ـ هي ، في مجموعها ، كتاب أحكام مركب من أجزاء شعرية وتاريخية ، وأحكام وقواعد الكهنة . وطبيعة الأحداث التي فيها تستلزم أن تتزايد التغييرات والازدواجيات والتعديلات ، حيث إن العلاقة بين الأحداث ضعيفة ، ومن الصعب علينا فهمها . وفي الأسفار كانت أقوال موسى قليلة إلى حد ما . كما أن أقوال داود قليلة في سفر آخرَ منسوبٍ إليه ..” (28)
تلك شهادة علماء اليهود ، الذين برعوا في “علم نقد النصوص” ، في أسفار العهد القديم ، التي شاعت فيها أوصاف الازدراء للأنبياء والمرسلين .. تقول هذه الشهادة : إن علاقة هذه الأسفار بموسى واهية جدًّا .. وإن هذا الكتاب قد كُتب على امتداد ثلاثة آلاف عام .. “في عصور متباينة ، ومن مؤلفين مختلفين” .. ومن ثم عكس نفسياتٍ وظروفًا مختلفةً ومتباينة .. فليس كلمةَ الله بحال من الأحوال !!
*
وعلى هذا الدرب ـ دربِ تنزيه كلمات الله ووحيه عن هذا الذي حوته أسفار العهد القديم مما لا يناسب ولا يليق ـ سار خبراء العبرية والدراسات اليهودية .. فكتب الأستاذ الدكتور فؤاد حسنين علي ـ وهو من أبرز العلماء والخبراء في التوراة والتراث العبري ـ يقول :
إن العبرية ـ التي هي خليط من الآرامية والكنعانية وكثير من اللغات ـ سامية وغير سامية ـ لا يرجع تاريخ ظهورها إلى ما قبل 1100 ق . م ..
وإذا علمنا أن موسى وُلد في مصر ، ونشأ في مصر ، وتثقف ثقافة مصرية ، وتدرج في مختلف الوظائف العسكرية حتى أصبح ـ كما يحدث المؤرخ اليهودي فلافيوس [37 ـ 100 م] ـ ضابطًا في الجيش المصري ، ولم يخرج مع مَنْ خرجوا إلى سيناء ـ التي كانت وقتئذٍ إقليمًا مصريًّا ـ إلا ليواصل حياته المصرية بعيدًا عن استبداد الفرعون ، ولم ير موسى فلسطين ، وتُوفِّيَ قبل أن تظهر العبرية إلى الوجود بأكثر من قرن ، فلغته كانت ، ولا شك ، اللغة المصرية القديمة ..” (29)
ولقد ضرب الدكتور فؤاد حسنين الأمثلة على التناقضات والتغييرات والتحريفات التي أصابت نصوص هذه الأسفار ـ على امتداد قرون “تأليفها” ـ كما قال العلماء الخبراء اليهود ـ فقال :
لقد درج بعض النُّسَّاخِ على التعليق على النص دون الإشارة ، فضُمت تعليقاتُهم خطأً إلى المتن ، وقد وقع مثلُ هذا عند ذكر المدينة المصرية [سين ـ أسوان] إذ علق الناسخ بعبارة : “حصن مصري” ، فضمت هذه العبارة إلى المتن ـ [حزقئيل . إصحاح 30 : 15] ـ كما تعرضت عبارات وألفاظ كثيرة إلى التحريف ، فخرجت عن معانيها الأصلية ، فاضطرب المعنى واختل الأسلوب ـ [إشعيا . إصحاح 29 : 10] .
وذهب النّساخ بعيدًا فاستكملوا النصوص الناقصة ، مثلَ قانون الملك شموئيل الأول ـ [شموئيل الأول . إصحاح 8 : 10 ـ 21] .
كما استباح اليهودي ـ المتعصب لكتابه ـ لنفسه الحق في تغيير ما جاء في المتن ، لأنه لا يروقه ـ [أيوب ـ إصحاح 1 : 5] في العبارة المنسوبة إلى أيوب : “لأن أيوب قال : ربما أخطأ بني وجد فوا على الله في قلوبهم” .. هي ـ في الواقع ـ كما يعتقد مارتن لوثر ـ “أن أبنائي اقترفوا إثما وأنكروا الله” .. إلا أن الناسخ شق عليه إثبات هذا المعنى .
ومما يؤيد رأي مارتن لوثر ما جاء في العهد القديم ـ [مزمور 10 : 3] .
والآن نتساءل : ما مدى أصالة النص العبري ؟ هل هو النص الأصلي القديم الذي قد يُعتمد عليه ؟
يكفي الباحث أن يقرأ فيه هذه المواضع المكررة ـ [قابل بين مزمور 18 وشموئيل الثاني . إصحاح 22] ـ ليدرك قيمة هذا السؤال ..
والذي نعلمه أن هذا النص تعرض كثيرًا لأعمال الحرق والإبادة بسبب الحروب الداخلية أولاً ، والغزو الأجنبي ثانيًا ..
إن التوراة السامرية ـ وهي ترجع إلى القرن الرابع ق . م ـ تختلف عن النص الماسوري في أكثر من ستة آلاف موضع ، كما أن النسخة السامرية تتفق مع الترجمة السبعينية في الثلث .. والترجمة السبعينية ليست في مجموعها دقيقة ، وبخاصة في إشعيا والمزامير ودانيال ، حيث نجد الترجمة حرة غير دقيقة ، كما أن سِفر أرميا ينقص عن النَّص العبري نحو السُّبُعِ ، كما ينقص سفر أيوب نحو الرُّبُع .
كما نلاحظ الإضراب الكثير عن ترجمة بعض الألفاظ العبرية إلى اليونانية ، كما أن هذه الترجمة لم تتم في عصر بعينه ، فالتوراة مثلاً تمت ترجمتها في القرن الثالث ق . م . أما سائر الأسفار الأخرى فقد تُرجمت في عصور متأخرة . لذلك فالآراء متضاربة حول الترجمة السبعينية ، ليس فقط حول ترتيبها وتنسيق أسفارها ، بل حول اختلافها أحيانًا عن النص العبري وترتيب العهد القديم العبري ، فضلاً عن أن الترجمة السبعينية تضم أسفارًا ليست شرعية ، ولم ترد في النص العبري ، لذلك استُبدلت بترجمة أخرى ، ألا وهي ترجمة (ثيود وثيون Theod ofion) (30)
فهذه الشهادات العلمية ـ الواقعية .. والتي استندت إلى قواعد علم نقد النصوص ـ تُسقط مصداقية هذه الأسفار التي كرست “ثقافة ازدراء الأنبياء والمرسلين” .. ومن ثم تطعن هذه الثقافة المزيفة والمغشوشة من الأساس . وتدعو الذين قدسوها .. وتربَّوْا عليها ، إلى الخروج من المستنقع الذي سقطوا فيه ..
*
ولقد استند نقّاد نصوص هذه الأسفار ـ كذلك ـ في نفي مصداقيتها وموثوقيتها ـ إلى ما حوته من تناقضات تُباعِدُ بينها وبين أن تكون كلامَ الله {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ـ النساء : 82 .. وعن هذه التناقضات يقول العلامة الأستاذ الدكتور فؤاد حسنين علي :
إنه لا يوجد بالتوراة التي بين أيدينا خبر يُشْتَمُّ منه أن موسى هو الذي جاء بها أو أُنزلت عليه ، بل على النقيض من هذا يوجد فيها ما يؤدي عكس هذا ، ومن هذه الأدلة مثلاً :
ـ ما جاء في الآية السادسة من الإصحاح الرابع من سفر التثنية بخصوص وفاة موسى ، فبعيدٌ البعدَ كلَّه أن يكون هذا الخبر صادرًا عنه ، فقد ورد في هذه الآية : “لا يعرف شخص قبره حتى يومنا هذا” .
ـ وفي الآية العاشرة من نفس الإصحاح جاء : “ولم يقم بعدُ نبي في إسرائيل مثل موسى ، فكان حليمًا جدًا أكبر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” .
فكل هذه الآيات وأمثالُها تدلنا على أن المؤلف شخص آخر غير موسى ، كما أن هناك زمنًا بعيدًا بين وفاة موسى وبين تأليف التوراة التي بأيدينا .
ـ ومن الأدلة الأخرى على ذلك ، الاختلافات والتناقضات في النص ، كاستعمال [يهوه] و [إلوهيم] وبعض الألفاظ الأخرى التي نعلم أن معانيها تختلف أحيانًا حسب البنية وحسب الزمن .. والتي لا يمكن أن تكون قد صدرت عن شخص واحد في عصر واحد ..
ـ فقصة الخلق مثلاً جاءت في سفر التكوين ـ الإصحاح الأول : 27 ـ فيها : كان الإنسان آخرَ الخلق .
وعرض لنفس القصة في نفس السفر ـ الإصحاح الثاني : 4 ـ 25 ـ فكان الإنسان هو الأول ، وبعده جاءت الأشجار ، فحيوانات الحقول ، وطيور السماء .. الأمر الذي يجعل التوراة ـ كما هي الآن ـ وليدة عصور ونتاج عقليات متنوعة ..
ـ وقد استُغلت في سبيل وضعها مصادرُ عديدةٌ ـ بعضها تُرك كما هو ـ وبعضها حذف منه أو أضيف إليه ..
ومن أدلة تعدد المصادر : الاضطرابات الموجودة في بعض القصص ، مثل قصة الطوفان .. فالآية الثانية عشرة من الإصحاح السابع من سفر التكوين تنص على أنه دام [40] يومًا و [40] ليلة ، بينما نقرأ في الآية الرابعة والعشرين من الإصحاح السابع من نفس السفر أنه دام [150] يومًا .. ثم إن أقدم المخطوطات الموجودة للتوراة الحالية تفصل بينها وبين النسخة الأصلية التي كتبت عنها مدة تقرب من الألف عام ، وفي هذه المدة طرأ على الكتابة العبرية شيء كثير من التغيير والتبديل..” (30)
***
هكذا تهاوت ـ بشهادات العلماء الخبراء .. من اليهود وغيرهم ـ مصداقيةُ الأسفار التي أسست “لثقافة ازدراء الأنبياء والمرسلين” ـ ذلك الازدراء الذي مثل ويمثل “القتل المعنوي” لهؤلاء الأنبياء والمرسلين .. {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} .. البقرة : 87 ..
{
وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله إن كنتم مؤمنين} البقرة : 91


http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=59112&Page=1&Part=10

في التاريخ القديم ـ د. محمد عمارة

د. محمد عمارة : بتاريخ 27 – 12 – 2008

إنها قديمة .. ومتجذرة في التراث الغربي ـ تراث الحضارة اليهودية / المسيحية ـ التي لم تبرأ من الوثنية .. ثم في تراث العلمانية ـ التي أحيت روح الوثنية اليونانية ـ .. إنها قديمة ـ في هذه الحضارة ـ تلك الافتراءات على رسول الإسلام ـ

صلى الله عليه وسلم ـ وعلى رموز الإسلام ومقدساته ـ وليست بنت القرن الحادي والعشرين ، أو أحداث 11 سبتمبر 2001 ـ في أمريكا ـ والحملة الصليبية المعاصرة ، التي أعقبتها ـ كما يحب كثير من الذين لم يخبروا صفحات التراث الغربي ، الطافحة “بثقافة الكراهية السوداء” ضد الإسلام ورموزه ومقدساته ..

وإذا كانت شهادات الغربيين على هذه الحقيقة هي “شهادة شاهد من أهلها” .. فإننا نقدم ـ في هذا المقام ـ عددا من الشهادات الغربية على قدم وتجدد هذا العداء والافتراء الغربي ، في التراث الديني والمدني للنصارى الغربيين ..

لقد شهد القائد والكاتب الإنجليزي : الجنرال “جلوب باشا”، جنرال جون باجوت [1897 ـ 1986] ـ صاحب كتاب “الفتوحات العربية” ـ .. والذي عمل قائدا للجيش الأردني حتى العدوان الثلاثي على مصر 1956 .. شهد بأن مشكلة الغرب مع الشرق إنما بدأت بظهور الإسلام !! .. فقال : “إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد” !!
وشهد المستشرق الفرنسي ـ اليهودي الديانة ـ “مكسيم رودنسون” [1915 ـ 2004] بتصاعد هذه الافتراءات الغربية على رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ و”ازدهار فنونها ـ نثرا وشعرا” ـ إبان الحملات الصليبية الغربية على الشرق الإسلامي [489 ـ 690 هـ ـ 1096 ـ 1291 م] ـ فكتب في شهادته هذه يقول
:

لقد حدث أن الكتاب اللاتين ، الذين أخذوا بين سنة 1100 م ، وسنة 1140 م على عاقتهم إشباع هذه الحاجة [كراهية الإسلام] ـ لدى الإنسان العامي ، أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد ، دون أي اعتبار للدقة ، فأطلقوا العنان “لجهل الخيال المنتصر” .. فكان محمد (في عرفهم) : ساحرا ، هدم الكنيسة في إفريقيا ، والشرق عن طريق السحر والخديعة ، وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية .. وكان محمد ـ في عرف تلك الملاحم ـ هو صنمهم الرئيسي ، وكان معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة السراسنة ـ البدو ـ وكانت تماثيله (حسب أقوالهم) تصنع في مواد غنية ، وذات أحجام هائلة ..
لقد اعتبر الإسلام في العصور الوسطى نوعا من الانشقاق الديني ، أو هرطقة ضمن المسيحية . وهكذا رآه “دانتي” [1295 ـ 1321 م
] ..

وكان من المحتم أن يؤدي هذا كله إلى تشجيع التمركز حول الذات ، وهي صفحة طبيعية في الأوروبيين ، كانت موجود دائما ، ولكنها اتخذ الآن صبغة تتسم بالازدراء الواضح للآخرين .. ”
تلك كان الصورة التي صنعها الخيال الغربي للإسلام ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إبان الحملات الصليبية ـ في العصور الأوروبية الوسطى ـ كما شهد بها وعليها المستشرق الفرنسي “مكسيم رودونسون” (1
)
كذلك شهد المستشرق الإيطالي الشهير “فرانشسكوجابرييلي” [1904 ـ 1997م ] على هذه الحقيقة .. فقال
:
لقد كانت العصور الوسطى الغربية تنظر إلى ظهور الإسلام وانتشاره باعتباره تمزقا شيطانيا في صدر الكنسية المسيحية اليت لم يكد يمر على انتصارها على الوثنية ثلاثة قرون ، وانشقاقا مشئوما قام به شعب بربري .. ” (2
)
أما الكاتب السويسري “هوبرت هيركومر” فلقد عرض الافتراءات الغربيين المسيحيين على الإسلام ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأورد في دراسته عن [الصورة الغربية والدراسات العربية الإسلامية] كيف “أن الأوربيين ادعوا أن رسول الإسلام كان كاردينالا كاثوليكيا ، تجاهلته الكنيسة في انتخابات البابا ، فقام بتأسيس طائفة ملحدة في الشرق انتقاما من الكنيسة ، واعتبرت أوروبا المسيحية ـ في القرون الوسطى ـ محمدا ا لمرتد الأكبر عن المسيحية ، الذي يتحمل وزر انقسام نصف البشرية عن الديانة المسيحية” ! (3
)
أما توما لاكويني [1225 ـ 1274 م] ـ أكبر فلافسة اللاهوت الكنسي ـ وقديس الكاثوليكية ـ فلقد تحدث عن رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال
:
إنه هو الذي أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية ، وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة في التوراة والأناجيل من خلال الأساطير والخرافات التي كان يتولها على أصحابه . ولم يؤمن برسالة محمد إلا المتوحشون من البشر ، الذين كانوا يعيشون في البادية” !! (4
)
أما رأس البروتستانتية “مارتن لوثر” [1483 ـ 1546م ] فلقد وصف القرآن الكريم بأن
:
كتاب بغيض وفظيع وملعون ، ومليئ بالأكاذيب والخرافات والفظائع” .. معتبرا أن “إزعاج محمد ، والإضرار بالمسلمين يجب أن تكون المقاصد من وراء ترجمة القرآن وتعرف المسيحيين عليه .. وأن على القساوسة أن يخبطوا أمام الشعب عن فظائع محمد ، حق يزداد المسيحيون عداوة له ، وأيضا ليقوى إيمانهم بالمسيحية ، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب ضد الأتراك المسلمين ، وليضحوا بأموالهم وأنفسهم في هذه الحروب
” ..
كما وصف رسول الإسلام بأنه : “خادم العاهرات وصائد المموسات” !! (5
)
فلما جاء “دانتي” [1295 ـ 1321] ـ صاحب الكوميديا الإلهية” ـ رأيناه يضع رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ “في الحفرة التاسعة في ثامن حلقة من حلقات جهنم ، وقد قطعت أجسامهم وشوهت أجسادهم في دار السعير ، لأنهم كانوا في الحياة الدنيا .. [بكذبه وافترائه] .. أهل شجار وشقاق” ! (6
)
ولقد عمقت العنصرية الغربية ، والاستعلاء المتمركز حول الذات هذه الإفتراءات على الجنس العربي عموما .. وبعبارة المستشرقة الألمانية “سيجريد هونكة” 1913 ـ 1999
:
• “
فلقد استقر في أذهان السواد الأعظم من الأوروبيين الازدراء الأحمق الظالم للعرب ، الذي يصمهم ـ جهلا وعدوانا ـ بأنهم “رعاة الماعز والأغنام ، الأجلاف ، لابسو الخرق المهلهلة .. وعبدة الشيطان ، ومحضروا أرواح الموتى ، والسحرة ، وأصحاب التعاويذ وأعمال السحر الأسود ، والذين حذقوا هذا الفن ، واستحوذ عليهم الشيطان ، تحرسهم فيالق من زبانيته من الشياطين .. وقد تربع على عرشهم الذهب “ما هو ..” ـ “مخميد” ـ وقد ركعت تحت أقدامه قرابين بشرية يذبحها أتباعه قربانا وزلفى له
” !!
• “
ولقد صورت الكنيسة الأوروبية رسول الإسلام ساحرا كبيرا .. وصورت “قرطبة” في الأندلس ـ وطن عُباد الشيطان “المتوسلين بالموتى ، الذين قدموا لمحمد الصنم الذهبي الذي كانت تحرسه عصبة من الشياطين ، تضحية بشرية
” !! ..
• “
فبلاد الإسيلام هي عالم الخرافات والأساطير ، عبد الشيطان ، والسحرة المتضرعين إلى الشيطان .. بلاد الأضاحي البشرية من أجل صنم ذهبي ، تسهر على سلامته عصبة من الشياطين ، اسمه محمد” !! (7
)
أي والله ! هكذا صورت أوروبا في عصورها الوسطى ـ عندما كانت شعوبها تزف في قيود الجهل ولاتخلف والخرافات والظلمات .. وعندما كانت تسيل دماؤها في الحروب الدينية .. ومجازر محاكم التفتيش .. وتحرق العلماء والفلاسفة .. هكذا صورت دين التوحيد والتنزيه وحضارته المزدهرة .. أو الرسول الذي جاء رحمة للعالمين

!!

أما لامؤخر “جي . توينبي” 1889 ـ 1975 / ، فلقد وصف العرب والمسلمين ـ في كتابه [دراسة في التاريخ العلمي] ، بأنهم :
• “
غير متحضرين .. وخلق غريب مستبعد من العالم الهليني . أو المتطفلين على الحضارة الهللينية الإغريقية .. أولئك المحمودن البدائيون .. وأقصى القول فيهم : أنهم تقليد بربري جاهلي زائف الديانة السريان الغربية عنهم .. وهم ـ لبدائيتهم وقصورهم ـ لا يسعون إلى اعتناق النصرانية
” !!
كذلك أوردت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكة ما كتبه “وليام” ـ من سالبري ـ في وصف العرب والمسلمين بأنهم
:
يعبدون الدرك الأسفل من الشياطين !! فهم “الكفرة الفجرة” ، الذين لا يدينون بالمسيح أو الله ، لأنهم لم يعبدون بعد .. فهم ليسوا سوى ديدان حقيرة .. وسفلة أوغاد .. أعداء الله .. وأعداء المسيح .. مستبيحو قبر المسيح” !! (8
)
وإذا كانت الكنيسة الكاثوليكية ـ بقيادة “البابا الذهبي ـ أوربان الثاني [1088 ـ 1099 م] هي التي أشعلت وقادت الحملات الصليبية على الإسلام وأمته وعالمه ـ في العصور الأوروبية الوسطى ـ وتحالفت في هذه الحرب ، مع أمراء الإقطاع الأوروبيين ، ومع البروجوازية في المدن التجارية الإيطالية . فإنها قد قادت ـ كذلك ـ هذه الحملات من الافتراءات والأكاذيب والسباب ، التي صنعت هذه الصورة البائسة والغريبة للإسلام ورسوله وأمته وحضارته .. وذلك لتكون هذه الصورة المزيفة والبائسة حافزا للغوغاء كي ينخرطوا في هذه الحروب الصليبية ، التي تولتها برجوازية المدن التجارية الإيطالية ، لنهب الشرق ، واحتلاله ، وكسر شوكة الإسلام
..
ولقد خطب البابا “أوربان الثاني” في فرسان الإقطاع الأوربيين ، يحثهم على “الحرب المقدسة” ضد المسلمين ، فقال
:
أي خزي يجللنا وأي عار ، لو أن هذا الجنس من الكفار ، الذي لا يليق به إلا كل احتقار ، والذي سقط في هاوية التعري عن كرامة الإنسان ، جاعلا من نفسه عبدا للشيطان ، قد قُدر له الانتصار على شعب الله المختار” ؟!! (9
)
ولقد عرفت هذه الافتراءات ـ الغريبة العجيبة ـ طريقها إلى شعر الملاحم الشعبية ، لتبعئة العامة والدهماء والغوغاء في حملة العداء للإسلام ورسوله وأمته وعالمه .. فنظم شاعر الكنيسة “كونراء” سنة 1300 م “ملحمة رولاند” التي وصف فيها المسلمين بأنهم
:
• “
الشعب الذي لا يُروى تعطشه سلفك الدماء ، والذي لعنه رب السماء” فهو كفرة وكلاب” وخنازير فجرة ، وهم عبدة الأصنام التي لا حول لها ولا قوة .. الذين لا يستحقون إلا أن يقتلوا وتطرح رممهم في الخلاء ، فهم إلى جنهم بلا مراء
” !
وفي هذه “الملحمة الشعبية” يخاطب الشاعر القسيس “كونراء” الشعب المسلم ، فيقول : “إن فحمت ـ [أي محمد] ـ .. قد أرسلني إليك لأطيح رأسك عن كتفيك ، وأطرح للجوارح جثتك ، وأمتشق برمحي هامتك
.
ولتعلم أ، القيصر قد أمر كل من يأبى أن تعمده الكنيسة ” ليس له إلا الموت شنقا أو ضربا ، أو حرقا
” .
إن أولئك جميعا دون استثناء حزب الشيطان اللؤماء ، خسرو الدنيا والأخرة ، وحل عليهم غضب الله ، فبطش بهم روحا جسدا ، وكتب عليهم الخلود في جنهم أبدا” !! (10
)
* * *
هكذا تمت “صناعة الصورة” الزائفة والبائسة والعجيبة للإسلام ورسوله وأمته وعالمه ـ في العصور الأوروبية الوسطى .. والتي شارك فيها البابوات .. والقديسون .. والشعراء .. والكتاب .. صورة الافتراء على الإسلام ورموزه ومقدساته .. والازدراء بأمته وعالمه .. فاستقر ـ في الوعي لاغربي” ، واللا وعي “مخزون ثقافة الكراهية السوداء” ذلك الذي تحول ـ في التراث الغربي ـ إلى “ألغام” تفجرها “المصالح الامبريالية” و”التعصب الديني” و “ألاستعلاء العنصري” بين الحين والحين ، منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظات
!!
وإذا كان البعض قد توهم أن هذا تاريخ قديم قد مضى وانقضى .. وأن النهضة الأوروبية وفلسفة التنوير .. والعلمانية قد طوت تلك الصفحات ، وأبرأت الوجدان الغربي من هذه العاهات ، فإننا نسوق حقيقة واحدة ـ كمثال ـ على بقاء هذا المخزون لثقافة الكراهية السوداء فاعلا في التكوين الثقافي الغربي حتى هذه اللحظات
..
ففي عقد الثمانينيات من القرن العشرين ، قام فريق بحثي متخصص ـ تحت إشراف أستاذ غير مسلم ـ هو البروفيسور “فلاتوري” ـ بمراجعة الكتب الدراسية في ألمانيا وحدها ـ فكونت الأخطاء والأكاذيب والافتراءات المتعلقة بالإسلام ورموزه وأمته في هذه الكتب ـ المادة التي امتلأت بها صفحات سبعة وثلاثين مجلدا
!!
ولا تزال تدرس هذه الأكاذيب عن الإسلام والمسلمين للطلاب الألمان .. ولا تزال تكون وعيهم وصورة الإسلام لديهم حتى هذه اللحظات
!! ..
هذا عن التاريخ ـ القديم .. والوسيط .. والحديث ـ “الماضي ـ الحاضر” للافتراء على الإسلام ورموزه ومقدساته .. وفي المقدمة من ذلك رسول الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام ـ

http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=57997&Page=1&Part=10

إطلاق لفظ رب على المسيح

إطلاق لفظ رب على المسيح

يقول المسيحيون : إنه ورد إطلاق لفظ كلمة ( رب ) على المسيح في مواضع كثيرة منها :

1 – ما ورد في انجيل متى 16 : 22 من قول بطرس للمسيح : ” حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا! ” . ( ترجمة فاندايك )

2 – كما ورد في انجيل متى 17 : 4 قول بطرس للمسيح : ” يَا رَبُّ ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا! ” ( ترجمة فاندايك )

3 – وقد قال المسيح عن نفسه بحسب إنجيل متى 7 : 21 : ” لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي : يَا رَبُّ ، يَا رَبُّ ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ “. ( ترجمة فاندايك )

كلمة ( رب ) في النصوص السابقة مترجمة عن الكلمة اليونانية Kurios = كيريوس ، وهي لفظة كثيراً ما تُطلق في الكتاب المقدس على غير الله سبحانه وتعالى من البشر والملائكة ، وذلك دلالة على الاعتبار والاكرام والتوقير ، فعلى سبيل المثال :

1 – جاء في سفر الاعمال 16 : 30 أن ضابط السجن خاطب بولس ورفيقه ، بكلمة : ” سَيِّدَيَّ ” وكلمة سَيِّدَيَّ مترجمة عن نفس الكلمة اليونانية Kurios المستخدمة في النصوص السابقة … فهل هذا دليل على ألوهية بولس ورفيقه ؟؟

2 – يقول فستوس في حديثه عن بولس وهو يخاطب الملك أغريباس بحسب اعمال 25 : 26 : ” ولَيسَ لَدَيَّ شَيءٌ أَكيدٌ في شأنِه فأَكتُبَ بِه إِلى السَّيِّد ، ( أي القيصر ) فأَحضَرتُه أَمامَكم وأَمامَكَ خُصوصًا، أَيُّها المَلِكُ أَغْريبَّا، لأَحصُلَ بَعدَ استِجْوابِه على شَيءٍ أَكتُبُه .. ” ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

كلمة ” السَّيِّد ” هنا مترجمة أيضاً عن نفس الكلمة اليونانية كيريوس … فهل هذا دليل على ألوهية جلالة القيصر ؟؟

3 – ويقول بولس في رسالته الى روما 14 : 4 : ” مَن أَنتَ لِتَدينَ خادِمَ غَيرِكَ؟ أَثَبَتَ أَم سَقَط، فهذا أَمْرٌ يَعودُ إِلى سَيِّدِه = Kurios ” . ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

4 – جاء في إنجيل يوحنا 4 : 19 عن المرأة السامرية التي طلب منها المسيح عليه السلام أن تسقيه ، مما أثار تعجبها ، فقالت للمسيح : ” يا ربّ، أَرى أَنَّكَ نَبِيّ ” ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

فالمرأة هنا لا تعرف المسيح ولا تؤمن به بل هي تشك حتى في مجرد أن يكون نبي ، ورغم ذلك تقول له ( يا رب ) مما يفيد ان لفظ كلمة ( رب ) كانت تستعمل في ذلك الوقت مع البشر على سبيل الاحترام .

5 – جاء في انجيل يوحنا 20 : 14 : حكاية عن مريم : ” ثُمَّ التَفَتَت إِلى الوَراء، فرأَت يسوعَ واقِفاً، ولَم تَعلَمْ أَنَّه يَسوع. فقالَ لَها يسوع: لِماذا تَبْكينَ، أَيَّتُها المَرأَة، وعَمَّن تَبحَثين؟ فظَنَّت أَنَّه البُستانيّ فقالَت له: سيّدي، إِذا كُنتَ أَنتَ قد ذَهَبتَ بِه، فقُلْ لي أَينَ وَضَعتَه، وأَنا آخُذُه …” ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

وهنا مريم تقول للمسيح : “سيّدي ” ، وهي نفس الكلمة ” كيريوس” اليونانية ، فهل تقصد مخاطبته كإله ؟؟؟؟؟
بالطبع لا … لأن مريم هنا تخاطبه وهي تظن أنه البستاني ، فهل من المعقول أنها تعتقد أن البستاني إله ، لذلك خاطبته على هذا الأساس ؟؟؟ … بالطبع لا ..

6 – ويقول بولس عن قصة اهتدائه وهو في الطريق الى دمشق بحسب سفر اعمال الرسل 22 : 6 : ” وبَينما أَنا سائرٌ وقَدِ اقتَرَبتُ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ باهِرٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حَولي نَحوَ الظُّهْر، فسَقَطتُ إِلى الأَرض، وسَمِعتُ صَوتًا يَقولُ لي: شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟ فأَجَبتُ: مَن أَنتَ، يا رَبّ؟ فقالَ لي: أَنا يَسوعُ النَّاصِريُّ الَّذي أَنتَ تَضطَهِدُه ” . ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

فبولس أثناء هذا الموقف لم يكن يؤمن بالمسيح ولم يكن يعرف صوت الذي يناديه ، ورغم ذلك أجاب قائلاً : ” مَن أَنتَ، يا رَبّ؟ “. مما يدل على ان هذه اللفظة كانت تستعمل كصيغة للتأدب في المخاطبة .

7 – ومما يؤكد ما قلناه أيضاً هو قول المسيح نفسه لتلميذين من تلاميذه بحسب لوقا 19 : 31 عندما طلب منهما احضار الحمار أو الجحش له : ” فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه ؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه ” . ( الترجمة الكاثوليكية – دار المشرق – 1994)

والآن لو كان المسيح رب بمعنى الإله المعبود بحق ، فهل يقول لتلميذيه قولا لمن يسألكما ان الرب محتاج ؟؟؟ وكيف سيصدق الناس ان الرب يحتاج ان لم تكن لفظة الرب هنا لا يراد منها الاله المعبود بحق كما اوضحنا …

الى آخر الأمثلة الكثيرة الموجودة في الكتاب المقدس …

أما في لغتنا العامة فيمكننا أن نقول مثلا ً : “رب البيت ” أو “رب العمل “ أو غير ذلك. فكل من له مسؤلية أو سلطة ونفوذ على شيء لا مانع من تسميته رب ، فمن كان له نفوذ أو مسؤلية على أسرته نقول عنه رب الأسرة ، ومن كان له مسؤلية أو نفوذ وسلطة على مصنع أو متجر نقول عنه ربّ العمل وهكذا ، وتطلق هذه الكلمة على الله أيضاً لأنه هو صاحب القدرة والنفوذ والسلطان على هذا الكون فنقول عنه رب الكون ورب العالمين .

لذلك وبناء على ما سبق فالمسيح – عليه السلام – يستحق أن يُسمى ربّاً بهذا المفهوم … وإلا لو كان في إطلاق لفظ ( رب ) على المسيح ان يكون إلهاً معبوداً للزم أن يكون كذلك على غيره ممن أطلق عليه ذلك اللفظ .

و من الجدير ذكره هنا ، أنه حتى في اللغة العربية ، قد تطلق لفظة الرب ، المطلقة من غير أي إضافة، على المـلِك و السيد، كما ذكر صاحب لسان العرب حيث قال أن أهل الجاهلية يسمون الملك : الرب، و أنه كثيرا ما وردت كلمة الرب مطلقةً، في أشعارهم ، على معنى غير الله تعالى .

كما جاء في لسان العرب : الرب : يطلق في اللغة على المالك ، و السيد ، و المدبر ، و المربي، و القيِّم ، و المنعم و السيد المطاع ….

و قد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى عدة مرات، من ذلك الآيات التالية :

(( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا )) سورة يوسف / 41

(( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )) سورة يوسف / 42

(( فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ .. )) يوسف / 50

كل هذه الأمثلة أوردتها للتأكيد على أن لفظة ( الرب ) لا ينحصر معناها في الله تعالى الخالق الرازق، بل كثيرا ما تأتي بمعنى المالك الآمر والسيد المطاع وهذا المعنى الأخير هو المراد في لغة العهد الجديد و لغة التلاميذ عندما يطلق على المسيح و هو الذي كان يعنيه بولس من لفظة الرب عندما يطلقها على السيد والمعلم المسيح ، فليس في هذه اللفظة أي دليل على ألوهيته.